| 0 التعليقات ]


22/2/2012 .. الساعة 8:50 مساءاً

لا يزال معي أربع ساعات كاملة لوقت الصعود إلى الطائرة عائداً إلى وطني الغالي عمان .. الظاهر في الأمر أنها الفرصة الوحيدة السانحة لي أن أكتب عن هذه الرحلة وعن هذه المدينة التي إحتضنتني خلال العشر الأيام الماضية .. التجربة كانت مختلفة بعض الشي هذه المرة وذلك بسبب إنشغالي في أمور التسوق لبيتي العامر – بإذن الله – والذي جعل يومي مرهقاً جداً بحيث لم أجد الفرصة الكافية للتجول في هذه المدينة الصناعية المليئة بالتلوث ..

حقيقة الأمر أن هذه المدينة أو بالأحرى الصين ككل أذهلتني كثيراً .. فهي مدينة منظمة جداً وليس كما كنت اتوقعه سابقاً .. جعلتني أقارنها بالمدن الأوربية التي طالما أبهرتنا بهندستها العمرانية الجميلة المختلفة عن المدن العربية .. فهذه المدينة بشوراعها وطرقها النظيفة وأبنيتها الحديثة والجميلة في الهندسة وفي الشكل تجعلني أشعر بالارتياح أثناء المشي و الجلوس .. الجميل هنا هندسة الطرق فبالرغم من عدد السكان الذي يتجاوز العشرون مليوناً، فإنني لم أشعر بملل الزحام مثلما يحدث في وطني الغالي .. شبكة طرق صممت لتتحمل هذ العدد الهائل من السيارات المختلفة في الحجم والنوع .. طرق تحتوي على جسورالدور والدورين ومن الممكن الثلاثة .. ونحن ما زلنا نحلم في عمان بجسر الدور الثاني لطريق وادي عدي الذي من الممكن أن يتم إلغاؤه في النهاية لتعذر الرؤية الواضحة لهذا البلد ..

المزعج جداً هنا التلوث الواضح في الهواء الذي جعلني أصاب بالصداع يومياً والذي أشعرني بالرغبة في التقيأ عدة مرات، تلوثٌ يجعل الرؤية صعبة سواء في النهار أو الليل .. هذا يتنافى مع ما ذكرته من النظام والهندسة الجميلة لهذه المدينة، ولكن على ما يبدو أن هذه هي ضريبة الصناعة المتنوعة التي تمتاز بها جوانزو أو الصين على العموم .. جانبان لم يتوافقا معاً في حقيقة الأمر والذي يجعل السياحة فيها صعبة جداً في ظل هذا الجو الملوث جداً .. نعم هي المدينة التي من الممكن أن تكون المثالية للتسوق، فهي مليئة بالكثير الكثير مما يخطر على البال .. ولذلك كانت وجهة الكثير من العرب التجار أو العرب الراغبين في التسوق بمختلف الأشياء ..

الإنسان الصيني مثلما رأيته إنسان يعمل كثيراً .. فساعات العمل هنا تطول من الساعة التاسعة إلى الساعة السادسة مساءاً وربما تزيد على ذلك .. الجميع في عمل ولا أظن أن نسبة البطالة هنا كبيرة فعلى حسب أحد المواقع الإلكترونية فإن نسبة البطالة في هذه المدينة لم تتجاوز 2.42% في عام 2009م وهي في إنخفاض مستمر، هذه الطاقات البشرية الكبيرة التي تعمل والتي تستغل في هذه المدينة لا بد أن تُظهِر نتائج كبيرة وواضحة وهي بالفعل فعلت .. الإمكانات المتوفرة هنا وجدت المناخ المناسب من التدريب والتأهيل والأماكن المناسبة للإنتاج .. مما جعلها مدينة رائدة في الصناعة يقصدها الجميع ويفتخر بها الشعب الصيني .. ما هي إلا سلسلة بسيطة من الأساسيات التي من الممكن أن تساعدنا في حل مشكلة البطالة في عمان والتي لا شك أن انها مشكلة رئيسية .. سلسلة لا بد أن تكون مترابطة وليست مفككة مثلما أرى في وطني الغالي .. تعليم --< تدريب --< تأهيل --< مكان مناسب للإنتاج .. هكذا نصل وبكل بساطة إلى ما نحب ونرضى لهذا الوطن .. نعم هي بسيطة التركيب صعبة التنفيذ .. هي شبكة معقدة من العمل ولكن إذا تمت كل خطوة بنجاح وبتكامل مع الخطوة التالية سنكون قد أنجزنا الكثير لأجل الأجيال القادمة .. ولكن يجب أن نملك الرغبة أولاً للوصول ومن ثم تسخير الإمكانات الأخرى لتحقيق الرؤية التي ما زالت غائبة .. فإتجاه هذه السلسلة تعتمد على الرؤية التي لا بد أن تكون واضحة للجميع ولكنها حالياً ليست كذلك ..

أعود مرة أخرى إلى رحلتي .. مزعج الآخر في الرحلة هو الأكل الصيني الذي وجدته مقززاً ولم تكن الروائح تغريني أبداً بل بالعكس كانت تنفرني بعيداً عنه .. ولم يكونوا أصحابي عوناً لي في هذا الأمر فرسائل التذكير بالأكل الصيني أصابتني بالإحباط تماماً .. ولكن هذا لم يكن فيه الكثير من الإزعاج حقيقةً فالأخوة اليمنين الذين تعودت تواجدهم أين ما ذهبت من مختلف الدول كانوا حاضرين وبقوة في جوانزو .. الأمر الذي يجعل الرحلة أقل صعوبة من رحلة مدريد أو الهند على أقل تقدير .. ولكثرة الزوار العرب وجدت أن المطاعم اليمنية وغيرها كثيرة الإزدحام بحيث تضطر أحياناً إلى الوقوف وقتاً طويلاً لإنتظار طاولةٍ للجلوس ..

المزعج الأخير والكبير هو صعوبة التواصل مع أغلبية الشعب الصيني .. فهنا القليل جداً من هم يتحدثون اللغة الإنجليزية، مما يعني أن لغة الإشارات يجب أن تكون حاضرة إن كنت تريد إبرام صفقة ما أو شراء غرض حتى وإن كان بسيطاً .. وهذا عنى لي أن أعتمد كلياً على المترجم الذي شعرت أحياناً أنه يتبرم من كثرة السؤال وهذا ما أشعرني أحياناً بالإحراج وأحياناً بالغباء .. ولأن الرحلة كانت قصيرة جداً فمن المستحيل تعلم الكثير من اللغة الصينية المعتمدة على الرسومات الغريبة ..

مواقف فريدة حدثت هنا .. أن يهمس لك أحد الأفارقة في الشارع وبطريقة إحترافيه "حشيش"، أمر يجعلك توقن أنه الوقت الخطأ للخروج!! .. أن يسألك أحد الصينين "هندي"، يجعلك تتسائل عن وجة الشبه بين العرب وبين الهنود ولعله أقرب من ذلك فيجعلك تتسائل في الشبه بين العربي العماني والهندي!!! .. أن تحاول طلب عدة من سائقي الأجرة توصيلك إلى الفندق ولكن لا أحد يعرف المكان بالضبط، يجعلك تفكر عدة مرات في حجم هذه المدينة !! .. أن يباع القات في ممرات مكشوفة وعلى الطريق العام في جوانزو، يجعلك تفكر مدى حب اليمنين وغيرهم من العرب للقات ويجعلك أيضا تفكر أن كل شي ممكن أن يباع في الصين ..

تحياتي .. ني هاو ..

0 التعليقات

إرسال تعليق