| 0 التعليقات ]


كُنتَ لنا وطناً ، ونوراً ، ونف غمام
————————————————————
🖌 بقلم ، ابن غيث - خليفة بن محمد بن غيث الدرمكي 
————————————————————

صباحٌ قاسٍ ، ومطرٌ حزين ، وفي الصدر غصة تعتريه
وحسرات ، وفي القلب وحشة تعصر القلب لفراقك يا أبي
قابوس ..

أكتب وقد جاهدتُ النفس والفكر  لأسرج من القلم رثاءً يليق بمقامكم الرفيع وفقدك المرير ، وكنت كلما حاولت أن أمّدُ سطراً  تخنقُني الحروف ويحرقُ الدمعُ ما كتبت ، فيجف المِداد وتتكسر الحروف فيُذيبها الحزن والاحتراق معاً ..

ذلك لأني وفي قرارة نفسي كُنتُ مع كل صباح وطلوع شمس أتنفسك وطناً ونوراً ونفُ غمام ، وأستبشر بوجودك الحياة والضياء والسعادة والبِشر فأزداد عطاءً وبذلاً وتضحيات لمقامك السامي الجليل ولعُمان الأبية ..

وقد كُنتُ كلما فقدتُ عزيزاً لدّي أتطلع للسماء مناجياً رب العزة أن يخفف الحزن فتحملني هوادجُ الأفكار على محمل الخيرات والبُشرى لزهو وجودك نبراساً وقبساً في هذا الوطن وأباً معلماً وقائداً مُلهماً ، فتنجلي بذكرك الأحزان ويفارق القلب همومه والآسى ..

وقد كُنتُ كلما توشّحت النفس بمشاعر الإيمان وهبت بين جوانحها النفحات الربانية - وهي مع كل لحظة - تتهادى لمسامعي أصوات الأذان عبر منارات جوامعك المترامية في ربوع الوطن ونفحات السكينة والوقار بين جنباتها ، فأتطلع للمنابر مُشخصاً بصري لتتبادى أمام ناظري بعمامتك البيضاء وصوتك الدافئ الرصين وانت تُلقي خطبة الجمعة الشريفة ، لترتاح النفس ويهدأ القلب وتشرئب من معين الإيمان محبةً وقربى لله عز وجل ..

وكُنتُ كلما اشتقت لبهاء طلعتك وقبس وجهك يممت بصري نحو قصرك العلم العامر وحصن شموخك المكين لأرى فيهما الكبرياء والعظمة والسمو ، فأجدني أصافحُ وأقبّلُ يديك الكريمتين إجلالاً وامتناناً لما قدمت وبذلت لأجلنا ولأجل عُمان ..

وكُنتُ كلما اشتاقتِ النفس لتعاظم الكبرياء والأنفة أجد في كلماتك وخُطَبك العنفوان والحمية والعطاء لبناء هذا الوطن واعلاء شأنه ورفعة مكانته ، فلقد كُنتَ بحقٍ الأب والمعلم والقائد الملهم ..

وكُنتُ كلما ارتفعت الحناجر لإعلاء السلام السلطاني وتأدية تحية العلم اعتزازاً  وعهداً وولاءً ، أراك في تقاسيم الوجوه وزوايا الأمكنة مُعلماً مُلهماً تفيض أودية عُمان بساخئه مجداً لا يطاوله أي مجد ..

وقد كُنتُ كلما يممتُ قِبلتي لمطرح العامرة أول ما تتكحل به عيناي ويمتد له بصري شموخ فُلك السلامة وقامة آل سعيد وهما يزهوان صواريٍ شامخة تطاول الميراني والجلالي مهابةً وعزةً ورسوخ ، لأستشعر أمواج بحر عُمان وهي تغفو بين جفنيهما في سلامٍ واطمئنان ، فتتكحل عيناي بحلم رؤيتك على متنهما ملوحاً بيدك الكريمة تحيةً ومحبةً واخلاصاً لشعبك الأبي الوفي ..

وكُنتُ كلما تاقت النفس للقلم وسمو الشعر ، امسكت بتلابيل الحروف ، ومزجت من الحبر قصائد عصماء لأشِم بها رحم الغيوم ليتقاطر منها مطراً مُعتقاً بشذى العطور فتفيض منها السيول أودية ، وأطوي بقوافيها مدارات لنجوم مُعدداً مناقبك وعظمة حكمتك وهيبة مقامك ، لتنحني لك قامات النخيل وشوامخ الجبال عِرفاناً وفيض مشاعر ..

وكُنتُ كلما ذُكِرت أمجادٌ وبطولات وسُطرِّت بيارقٌ وحكايات ، تكون أنت المجد ولك صدر البطولات وفي يدك البيارق وأنت حكاية مجد سطرّها التاريخ والزمان ، ذلك لأن اسمك اقترن بها وبسمو مجدك مُهيباً مُهاباً جليلاً عظيماً ، فزهت النياشين صدر بزتك العسكرية ونالت الشرف بك وما حملته من نياشين النصر والبطولات والفخر ، فكنت لها شرفاً عظيماً سامياً قبل أن تكون لك وساماً وأمجاداً عِظام ..

ستشتاقك يا سيدي مُهجُ القلوب ، وكل الزوايا والأمكنة في مسقط العامرة بمجدها وكبريائها وسؤددها وقصرها العلم العامر وشموخ الرايات والنصر والمجد التي ترفرف عاليها .. ستشتاقك ظفار الماجدة بعبق لبانها الحوجري ، وطُهر تُرابها ورجالها البواسل الأشاوس .. ستشتاقك صحار بشواطئها البهية وبهجة أنظارها الزاهية وقلعتها الحصينة ورجالها الأوفياء المُخلصين .. ستشتاقك بركاء ببيت بركتها العامر ومزارعها الغّناء وأبنائها الغُرُ الميامين .. ستشتاقك داخلية عُمان قاطبة وموكبك الميمون مُيمماً نحو الشموخ العامر لتستقبل فيها الملوك والسلاطين والأمراء .. ستشتاقك صُور العفّية وما حولها من الصواري السامقة العتية ، والنجوم البهية ورجالها الصناديد .. ستشتاقك ظاهرة عُمان الأبية وانت تجوب فيافيها وبلادينها قاطعاً مسافاتٍ ودروب للقاء أبنائها وأشرافها اخلاصاً ومحبةً  .. ستشتاقك البريمي الواعدة بالمنجزات والتطور والعُمران والرجال الأفذاذ .. ستشتاقك مسندم العصماء وشموخ جبالها وامتداد خلجانها وشطآنها بين السهل والجبل وعزائم رجالها وشبابها الواعدين .. ستشتاقك الوسطى قلب عُمان النابض بالحب والتآخي ، وستزهر جدتها أزاهير وعناقيد موشاةً بندى يحمل الطُهر والبُشرى والخيرات .. ستشتاقك السيوح السُلطانية قاطبة وتربتها التي وطئتها أقدامك ، وسيشتاقك كل شبر ٍ في عُمان وكل بيتٍ فيها من أقصاها إلى أقصاها .. سيشتاقك العطاء والبذل والتضحيات طيلة الخمسون عاماً التي أفنيت عُمرك فيها لأجلنا ولأجل عُمان ورفعة شأنها ومكانتها .. سنشتاق فيك الأب والمعلم والقائد الملهم الذي أبصرنا الدنيا على اسمه وحضوره في كل أرجاء عُمان ، في البيت والمدرسة والعمل ، فقد كنت لنا وطناً ونوراً ونف غمام ..

رحمك الله أبي ومعلمي وسيدي وقائدي وملهمي قابوس بن سعيد ، وجعل مثواك الجنة مع الصديقين والأبرار وحسُن أولئك رفيقا ، وجعل الله قبرك روضةً من رياض الجنة ، وروحٌ وريحانٌ وجنة نعيم .
—————————
إزكي 
—————————

0 التعليقات

إرسال تعليق